تاريخ الذكاء الاصطناعي:من افكار اليونان الى ثورة شات جي بي تي

**تقرير موجز عن تاريخ وتطور الذكاء الاصطناعي**

**مقدمة وتعريف المفهوم**

عند سماع مصطلح "الذكاء الاصطناعي" (AI)، غالبًا ما يتبادر إلى الذهن برامج مثل شات جي بي تي (ChatGPT) أو الروبوتات البشرية [1]. لكن مفهوم الذكاء الاصطناعي أوسع من ذلك بكثير، إذ يمتد ليشمل أشياء مثل بوت الشطرنج الذي يصعب هزيمته أو السيارات ذاتية القيادة [1]. انتشر الذكاء الاصطناعي بقوة في السنوات الأخيرة، لكن تاريخ فكرته أقدم بكثير [1].

**جذور تاريخية وأولى المفاهيم**

تعود أفكار الذكاء الاصطناعي إلى آلاف السنين، تحديداً في **العصور اليونانية والمصرية**، حيث كانت هناك أفكار وشخصيات مصنّعة من قِبَل الإنسان وتتمتع بالذكاء [1]. وفي العصور الوسطى، ناقش الفلاسفة إمكانية صنع آلات قادرة على التفكير والعمل مثل البشر [1].

**عصر آلان تورينج واختبار الذكاء (1950)**

في عام 1950، قام عالم الحاسوب البريطاني **آلان تورينج** بنشر ورقة بحثية بعنوان "آلات الحوسبة والذكاء" [1]. اقترح تورينج في ورقته أن الآلات يمكنها أن تستخدم المعلومات المتاحة مع المنطق لحل المشكلات واتخاذ القرارات، تمامًا كما يفعل البشر [2].

كما أجرى تورينج اختباراً شهيراً عُرف باسم **اختبار تورينج**، ويقوم الاختبار على فكرة أنه إذا استطاعت الآلة أن تخدع الإنسان بأنها بشرية، فإنها بذلك تمتلك ذكاءً [2]. في ذلك الوقت، لم يبدأ تورينج بالعمل مباشرة على الموضوع لأن أجهزة الكمبيوتر كانت في بداية تطورها وكانت باهظة الثمن جداً؛ فقد كانت تكلفة إيجار الكمبيوتر الواحد تصل إلى حوالي 200,000 دولار شهرياً، أي ما يقارب 750 ألف ريال سعودي [3].

**مؤتمر دارتموث وإطلاق المصطلح (1956)**

بعد ست سنوات من بحث تورينج، وتحديداً في عام 1956، قام كل من **جون مكارثي ومارفن مينسكي** بعقد **مؤتمر دارتموث حول الذكاء الاصطناعي** [3]. وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يُستخدم فيها مصطلح **الذكاء الاصطناعي** [3]. ورغم أن المؤتمر شهد عدم اتفاق وهوشات بسيطة بين الباحثين، فإن أهم ما تمخض عنه هو التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح حقيقة، مما حفز الأبحاث في الأعوام التالية [3].

**تطورات مبكرة ورائدة**

شهدت الفترة التي تلت مؤتمر دارتموث تطوراً كبيراً ومذهلاً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الكمبيوترات أرخص وأكثر تطوراً، مع قدرة أكبر على تخزين المعلومات [3, 4]. كان الباحثون متفائلين جداً، وتوقعوا ظهور آلة ذكية بالكامل (تستطيع التفكير والتعلم واتخاذ القرارات كالبشر) خلال أقل من 20 عاماً [4].

من البرامج التي أدهلت الناس في ذلك الوقت:

* **إلايزا (ELIZA):** برنامج حاسوبي أنشئ بين عامي 1964 و 1966 بواسطة جوزيف فايزينباوم [4]. كان البرنامج يتولى مهمة السولفة مع البشر [4]، وهو أحد أول البرامج التي حاولت النجاح في اختبار تورينج [4].

* **شيكي (Shakey):** أول روبوت ذكي يتصرف بنفسه، وتم تطويره في العام نفسه الذي ظهر فيه برنامج إلايزا [4]. كان شيكي يقسم الأمر المعقد الذي يُعطى له إلى أوامر أبسط (مثل تقسيم أمر "انقل الصندوق إلى الغرفة الثانية" إلى "التحرك للصندوق"، "رفع الصندوق"، "التحرك إلى الغرفة الثانية"، "وضع الصندوق") [4, 5]. ساهم شيكي في تطوير صناعة الروبوتات وأبحاث الذكاء الاصطناعي [5].

**شتاء الذكاء الاصطناعي (1974)**

في عام 1974، حدث انخفاض وتباطؤ كبير في تطور مجال الذكاء الاصطناعي [5]. كانت أسباب هذا الانخفاض (أو ما يُعرف بفترة "النوم الكبير" في هذا المجال) متعددة [5, 6]:

1. **التفاؤل المبالغ فيه:** حيث لم يكن التفاؤل الكبير الذي ساد في بداية الأبحاث واقعياً، مما أدى إلى خيبة أمل كبيرة [5].

2. **نقص البيانات:** لم تكن هناك وفرة في البيانات كما هو الحال اليوم، مما صعّب من عملية تطوير وتدريب النماذج [5].

3. **قدرة الكمبيوترات المنخفضة:** كانت قدرة الكمبيوترات محدودة جداً آنذاك، مما جعل تطوير الأنظمة الذكية صعباً نظراً لحاجتها لمعالجة كميات كبيرة من البيانات [5].

**النهوض مجدداً والإنجازات الحاسمة**

شهد المجال محاولات لإنعاشه لم تجلب نتيجة قوية [6]، حتى ازدهر في عام 1980 مجال **تعلم الآلة**، وهو فرع من فروع الذكاء الاصطناعي يُعنى بتطوير خوارزميات تسمح للأنظمة البرمجية بتحليل البيانات والتعلم منها (مثل التعلم الموجه) [6].

* **دي بلو يفوز على كاسباروف (1997):** في عام 1996، لعب الكمبيوتر "دي بلو" (Deep Blue) التابع لشركة آي بي إم (IBM) ضد بطل العالم في الشطرنج، جاري كاسباروف، وانتصر كاسباروف حينها [6]. لكن في عام 1997، تكررت المواجهة، واستطاع دي بلو أن يفوز على كاسباروف بعد مباراة قوية [7]. أحدث هذا الفوز ثورة كبيرة، حيث أظهر قدرة الكمبيوتر على هزيمة أفضل بشري في مجال معين [7].

**الاختراعات الكبرى في القرن الحادي والعشرين**

بعد هزيمة كاسباروف، ازدهر الذكاء الاصطناعي مجدداً [7]، خاصة مع تسارع وتطور أجهزة الكمبيوتر وانتشارها في المنازل [7]. وشملت الاختراعات ما يلي:

* **أسيمو (ASIMO) (2000):** روبوت من شركة هوندا يمكنه المشي، الركض، وصعود السلالم [7].

* **رومبا (Roomba) (2002):** مكنسة كهربائية ذاتية من شركة آي روبوت [7].

* **سيارة ذاتية القيادة (2009):** أطلقتها شركة جوجل [7].

* **سيري (Siri) (2011):** المساعد الصوتي الذي أُطلق مع آيفون 4 إس [7].

* **واتسون (Watson) (2011):** كمبيوتر من شركة آي بي إم فاز بالمركز الأول وبفارق كبير في إحدى المسابقات [8].

* **ألفا جو (AlphaGo) (2016):** فاز على بطل العالم في لعبة "جو" (وهي من أقدم الألعاب اللوحية الاستراتيجية وتُعتبر أكثر تعقيداً من الشطرنج) [8].

* **شات جي بي تي (ChatGPT) (2022):** تم إطلاقه [8].

**أسباب التطور والازدهار الأخير**

هناك عدة أسباب أدت إلى تطور الذكاء الاصطناعي وازدهاره مؤخراً، رغم وجود المجال منذ 70 عاماً تقريباً [8]:

1. **تطور الكمبيوترات والمعالجات:** أصبحت المعالجات (CPUs) أقوى وأفضل [8]. وظهور كرت الشاشة (GPU) الذي جعل الكمبيوترات أسرع بكثير في تنفيذ العمليات المعقدة [8]. كما زادت مساحة التخزين بشكل هائل، حيث كانت السعة الشائعة عام 2000 تتراوح بين 10 إلى 40 جيجابايت، بينما وصلت حالياً إلى 1 تيرابايت تقريباً [9].

2. **كميات البيانات الضخمة:** يوفر الإنترنت كميات هائلة من البيانات، مما يسهل تدريب الذكاء الاصطناعي وتعلمه [9].

3. **التطورات في الخوارزميات والنظريات:** ظهر فرع **التعلم العميق**، الذي يُعتبر بمثابة شقيق لتعلم الآلة [9]. ويركز التعلم العميق على تعلم الكمبيوترات من البيانات بطريقة تحاكي عمل العقل البشري (مثال على ذلك نظام الفيس آي دي Face ID) [9].

هذا التقدم هو نتيجة للتطورات الكبيرة التي طرأت على مجال التكنولوجيا في القرن الحالي [9]. ولا يزال الذكاء الاصطناعي يتطور يوماً بعد يوم، ومن المتوقع ظهور تقنيات أقوى في المستقبل [9, 10].